فصل: باب الغسل من المني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب استحباب الوضوء لمن أراد النوم

1- عن البراء بن عازب‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللَّهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللَّهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به قال‏:‏ فرددها عليَّ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما بلغت اللَّهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت‏:‏ ورسولك قال‏:‏ لا ونبيك الذي أرسلت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتوضأ‏)‏ ظاهره استحباب تجديد الوضوء لكل من أراد النوم ولو كان على طهارة ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن كان محدثًا‏.‏ وقد روى هذا الحديث الشيخان وغيرهما من طرق عن البراء ليس فيها ذكر الوضوء إلا في هذه الرواية وكذا قال الترمذي‏.‏

وقد ورد في الباب حديث عن معاذ بن جبل أخرجه أبو داود وحديث عن علي أخرجه البزار وليس واحد منهما على شرط البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنت على الفطرة‏)‏ المراد بالفطرة هنا السنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجعلهن آخر ما تتكلم به‏)‏ في رواية الكشميهني من آخر وهي تبين أنه لا يمتنع أن يقول بعدهن شيئًا من المشروع من الذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ونبيك‏)‏ قال الخطابي‏:‏ فيه حجة لمن منع رواية الحديث بالمعنى قال‏:‏ ويحتمل أن يكون أشار بقوله‏:‏ ونبيك الذي أرسلت إلى أنه كان نبيًا قبل أن يكون رسولًا ولأنه ليس في قوله‏:‏ ورسولك الذي أرسلت وصف زائد بخلاف قوله‏:‏ ونبيك الذي أرسلت‏.‏ وقال غيره‏:‏ ليس فيه حجة على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحًا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده أو ذكره احترازًا ممن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفًا‏.‏

وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه قاله الحافظ‏.‏

واستدل به بعضهم على أنه لا يجوز إبدال لفظ قال نبي اللَّه مثلًا في الرواية بلفظ قال رسول اللَّه وكذا عكسه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولو أجزنا الرواية بالمعنى فلا حجة له فيه وكذا لا حجة له فيه لمن أجاز الأول دون الثاني لكون الأول أخص من الثاني لأنا نقول لذات المخبر عنها في الرواية واحدة فبأي وصف وصفت تلك الذات من أوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو أبدل اسمًا بكنية أو كنية باسم فلا فرق‏.‏

وللحديث فوائد مذكورة في كتاب الدعوات من الفتح ‏[‏قال الحافظ في الفتح‏:‏ وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى اللَّه عليه وآله وسلم من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا اختيار المازري قال‏:‏ فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها وقال النووي‏:‏ في الحديث ثلاث سنن مهمة أحدها الوضوء عند النوم وإن كان متوضئًا كفاه لأن المقصود النوم على طهارة ثانيها النوم على اليمين‏.‏ ثالثها الختم بذكر اللَّه‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إجمالًا من الكتب والرسل من الإلهيات والنبويات وعلى إسناد الكل إلى اللَّه من الذوات والصفات والأفعال لذكر الوجه والنفس والأمر وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على اللَّه والرضا بقضائه وهذا كله بحسب المعاش وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرًا وشرًا وهذا بحسب المعاد اهـ‏.‏

وفي الحديث رد صريح على الذين ابتدعوا للناس أورادًا وأحزابًا وأنواعًا من الأذكار لم يكن عليها الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا أصحابه ولا كانوا يلبسون على صغار العقول بتمويهات باطلة مثل اعتمادهم على منامات أو بأكاذيب مثل مكاشفات فإن مثل ذلك لا يغتر به إلا من لم يرح رائحة السنة ولم يذق طعم العلم الصحيح وخير الهدي هدى محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة نسأل اللَّه أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هداها‏]‏‏.‏

 باب تأكيد ذلك للجنب واستحباب الوضوء له لأجل الأكل والشرب والمعاودة‏‏

1- عن ابن عمر أن عمر قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه أينام أحدنا وهو جنب قال‏:‏ نعم إذا توضأ‏)‏‏.‏

2- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة‏)‏‏.‏

رواهما الجماعة‏.‏

3 - ولأحمد ومسلم عنها قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ نعم إذا توضأ‏)‏ في رواية البخاري ومسلم ليتوضأ ثم لينم‏.‏ وفي رواية للبخاري ليتوضأ ويرقد‏.‏ وفي رواية لهما توضأ واغسل ذكرك ثم نم‏.‏ وفي لفظ للبخاري نعم ويتوضأ‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل قبل الاغتسال وكذلك يجوز له معاودة الأهل كما سيأتي في حديث أبي سعيد وكذلك الشرب كما سيأتي في حديث عمار وهذا كله مجمع عليه قاله النووي وحديث عمر جاء بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوب الوضوء على الجنب إذا أراد أن ينام قبل الاغتسال وهم الظاهرية وابن حبيب من المالكية وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه‏.‏ وتمسكوا بحديث عائشة الآتي في الباب الذي بعد هذا ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء‏)‏ وهو غير صالح للتمسك به من وجوه‏:‏ أحدها أن فيه مقالًا لا ينتهض معه للاستدلال وسنبينه في شرحه إن شاء اللَّه تعالى‏.‏ وثانيها أن قوله‏:‏ لا يمس ماء نكرة في سياق النفي فتعم ماء الغسل وماء الوضوء وغيرهما وحديثها المذكور في الباب بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة‏)‏ خاص بماء الوضوء فيبنى العام على الخاص ويكون المراد بقوله‏:‏ لا يمس ماء غير ماء الوضوء‏.‏

وقد صرح ابن سريج والبيهقي بأن المراد بالماء ماء الغسل‏.‏ وقد أخرج أحمد عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان يجنب من الليل ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ولا يمس ماء‏)‏‏.‏ وثالثها أن تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لمس الماء لا يعارض قوله‏:‏ الخاص بنا كما تقرر في الأصول فيكون الترك على تسليم شموله لماء الوضوء خاصًا به‏.‏

وتمسكوا أيضًا بحديث ابن عباس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة‏)‏ أخرجه أصحاب السنن‏.‏ وقد استدل به أيضًا على ذلك ابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد قدح في هذا الاستدلال ابن زبيد المالكي وهو واضح‏.‏ قلت‏:‏ فيجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر ‏(‏أنه سئل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال‏:‏ نعم ويتوضأ إن شاء‏)‏ والمراد بالوضوء هنا وضوء الصلاة لما عرفناك غير مرة أنه هو الحقيقة الشرعية وأنها مقدمة على غيرها‏.‏

وقد صرحت بذلك عائشة في حديث الباب المتفق عليه فهو يرد ما جنح إليه الطحاوي من أن المراد بالوضوء التنظيف واحتج بأن ابن عمر راوي هذا الحديث وهو صاحب القصة ‏(‏كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه‏)‏ كما رواه مالك في الموطأ عن نافع ويرد أيضًا بأن مخالفة الراوي لما روى لا تقدح في المروي ولا تصلح لمعارضته‏:‏ وأيضًا قد ورد تقييد الوضوء بوضوء الصلاة من روايته ومن رواية عائشة فيعتمد ذلك ويحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر‏.‏ وإلى هذا ذهب الجمهور‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والحكمة في الوضوء أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل‏.‏ ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال‏:‏ إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة‏.‏ وقيل الحكمة في الوضوء أنه إحدى الطهارتين وقيل أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل‏.‏

4- وعن عمار بن ياسر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوؤه للصلاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

الوضوء عند إرادة الأكل والنوم ثابت من حديث عائشة ومتفق عليه‏.‏ وقد تقدم في الحديث الذي قبل هذا إحدى الروايات وعزاها المصنف إلى أحمد ومسلم‏.‏ وعند إرادة الشرب من حديث عائشة أيضًا عند النسائي ولكن جميع ذلك من فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا من قوله‏:‏ كما في حديث الباب‏.‏

وقد روي الوضوء عند الأكل من حديث جابر عند ابن ماجه وابن خزيمة ومن حديث أم سلمة وأبي هريرة عند الطبراني في الأوسط‏.‏

والحديث يدل على أفضلية الغسل لأن العزيمة أفضل من الرخصة والخلاف في الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب قد ذكرناه في الحديث الذي قبل هذا وأما من أراد أن يأكل أو يشرب فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه وحكى ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن ابن عمر أنه واجب‏.‏

5- وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزادوا‏:‏ ‏(‏فإنه أنشط للعود‏)‏ وفي رواية للبيهقي وابن خزيمة ‏(‏فليتوضأ وضوؤه للصلاة‏)‏ ويقال أن الشافعي قال‏:‏ لا يثبت مثله قال البيهقي‏:‏ ولعله لم يقف على إسناد حديث أبي سعيد ووقف على إسناد غيره فقد روي عن عمر وابن عمر بإسنادين ضعيفين قال الحافظ‏:‏ ويؤيد هذا حديث أنس الثابت في الصحيحين أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان يطوف على نسائه بغسل واحد‏)‏‏.‏

والحديث يدل على أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا بإجماع المسلمين ولا شك في استحبابه قبل المعاودة لما رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث أبي رافع ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه وقيل‏:‏ يا رسول اللَّه ألا تجعله غسلًا واحدًا فقال‏:‏ هذا أزكى وأطيب‏)‏ وقول أبي داود أن حديث أنس أصح منه لا ينفي صحته‏.‏ وقد قال النووي‏:‏ هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين‏.‏

وقد ذهبت الظاهرية وابن حبيب إلى وجوب الوضوء على المعاود وتمسكوا بحديث الباب‏.‏

وذهب من عداهم إلى عدم الوجوب وجعلوا ما ثبت في رواية الحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏أنه أنشط للعود‏)‏ صارفًا للأمر إلى الندب‏.‏ ويؤيد ذلك ما رواه الطحاوي من حديث عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ‏)‏ ويؤيده أيضًا الحديث المتقدم بلفظ‏:‏ ‏(‏إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة‏)‏‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ طوافه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على نسائه محمول على أنه كان برضاهن أو برضا صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة قال النووي‏:‏ وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبًا عليه في الدوام كما يجب علينا وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما شاء‏.‏

 باب جواز ترك ذلك

1- عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

هو طرف من الحديث ولفظه في النسائي‏:‏ ‏(‏كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل أو يشرب‏)‏‏.‏

وقد ذكره الحافظ في التلخيص وابن سيد الناس في شرح الترمذي ولم يتكلما عليه بما يوجب ضعفًا وهو من سنن النسائي من طريق محمد بن عبيد بن محمد قال حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة فذكره‏.‏ ومحمد بن عبيد ثقة وبقية رجال الإسناد أئمة‏.‏

وأخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديثها أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان إذا أراد أن يطعم وهو جنب غسل يده ثم يطعم‏)‏ وبه استدل من فرق بين الوضوء لإرادة النوم والوضوء لإرادة الأكل والشرب‏.‏

قال الشيخ أبو العباس القرطبي‏:‏ هو مذهب كثير من أهل الظاهر وهو رواية عن مالك‏.‏ وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال‏:‏ إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض فاه‏.‏

وعن مجاهد قال في الجنب إذا أراد الأكل‏:‏ إنه يغسل يديه ويأكل‏.‏ وعن الزهري مثله وإليه ذهب أحمد وقال‏:‏ لأن الأحاديث في الوضوء لمن أراد النوم كذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنه كوضوء الصلاة واستدلوا بما في الصحيحين من حديثها بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوؤه للصلاة‏)‏ وبما سبق من حديث عمار‏.‏ ويجمع بين الروايات بأنه كان تارة يتوضأ وضوء الصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين لكن هذا في الأكل والشرب خاصة وأما في النوم والمعاودة فهو كوضوء الصلاة لعدم المعارض للأحاديث المصرحة فيهما بأنه كوضوء الصلاة‏.‏

2- وعنها أيضًا قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا كان له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء‏)‏‏.‏

رواه أحمد ولأبي داود والترمذي عنها‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء‏)‏‏.‏

الحديث قال أحمد‏:‏ ليس بصحيح‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ هو وهم‏.‏ وقال يزيد بن هارون‏:‏ هو خطأ‏.‏ وقال مهنا عن أحمد بن صالح‏:‏ لا يحل أن يروى هذا الحديث‏.‏ وفي علل الأثرم‏:‏ لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى قال ابن مفوز‏:‏ أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق قال الحافظ‏:‏ وتساهل في نقل الإجماع فقد صححه البيهقي وقال‏:‏ إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه‏.‏

قال ابن العربي في شرح الترمذي‏:‏ تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث رواه أبو إسحاق مختصرًا أو اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه‏.‏

ونص الحديث الطويل ما رواه أبو غسان قال‏:‏ أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخًا وصديقًا فقلت‏:‏ يا أبا عمر حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏قالت كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن نام جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة‏)‏‏.‏

فهذا الحديث الطويل فيه وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الرجل للصلاة فهذا يدلك على أن قوله‏:‏ ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء يحتمل أحد وجهين إما أن يريد حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيهما ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام فإن وطئ توضأ كما في آخر الحديث ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله‏:‏ ثم ينام ولا يمس ماء يعني ماء الاغتسال ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهمه انتهى‏.‏

والحديث يدل على عدم وجوب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم أو المعاودة وقد تقدم في الباب الأول أنه غير صالح للاستدلال به على ذلك لوجوه ذكرناها هنالك‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وهذا لا يناقض ما قبله بل يحمل على أنه كان يترك الوضوء أحيانًا لبيان الجواز ويفعله غالبًا لطلب الفضيلة انتهى‏.‏ وبهذا جمع ابن قتيبة والنووي‏.‏

 

أبواب موجبات الغسل

قال النووي‏:‏ الغسل إذا أريد به الماء فهو مضموم الغين وإذا أريد به المصدر فيجوز بضم الغين وفتحها لغتان مشهورتان وبعضهم يقول إن كان مصدرًا لغسلت فهو بالفتح كضربت ضربًا وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم كقولنا غسل الجمعة مسنون وكذلك الغسل من الجنابة واجب وما أشبهه‏.‏ وأما ما ذكره بعض من صنف في لحن الفقهاء من أن قوله‏:‏م غسل الجنابة والجمعة ونحوهما بالضم لحن فهو خطأ منه بل الذي قالوه صواب كما ذكرنا‏.‏ وأما الغسل بكسر الغين فهو اسم لما يغسل به الرأس من خطمى وغيره‏.‏

 باب الغسل من المني

1- عن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏كنت رجلًا مذاء فسألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ في المذي الوضوء وفي المني الغسل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏ ولأحمد فقال‏:‏ ‏(‏إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل‏)‏‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وقد روي عن علي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من غير وجه وأخرج الحديث أيضًا أبو داود والنسائي وأخرجه البخاري ومسلم من حديث علي مختصرًا وفي إسناد الحديث الذي صححه الترمذي يزيد بن أبي زياد قال علي ويحيى‏:‏ ضعيف لا يحتج به‏.‏ وقال ابن المبارك‏:‏ ارم به‏.‏ وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ ضعيف الحديث كل أحاديثه موضوعة وباطلة‏.‏ وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث ذاهب‏.‏ وقال النسائي‏:‏ متروك الحديث‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ صدوق إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير وكان يتلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح‏.‏ والترمذي قد صحح حديث يزيد المذكور في مواضع هذا أحدها‏.‏

وفي حديث ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم احتجم وهو صائم‏)‏ وفي حديث ‏(‏أن العباس دخل على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مغضبًا‏)‏ وقد أحسن أيضًا حديثه في حديث ‏(‏أنها أدخلت العمرة في الحج‏)‏ فلعل التصحيح والتحسين بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك وإلا فيزيد ليس من رجال الحسن فكيف الصحيح‏.‏ وأيضًا الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي وقد قيل أنه لم يسمع منه‏.‏

وفي الباب عن المقداد بن الأسود عند أبي داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وعن أُبيَّ بن كعب عند ابن أبي شيبة وغيره‏.‏

والحديث يدل على عدم وجوب الغسل من المذي وأن الواجب الوضوء وقد تقدم الكلام في ذلك في باب ما جاء في المذي من أبواب تطهير النجاسات‏.‏

ويدل على وجوب الغسل من المني قال الترمذي‏:‏ وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والتابعين وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حذفت‏)‏ يروى بالحاء المهملة والخاء المعجمة بعدها ذال معجمة مفتوحة ثم فاء وهو الرمي وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة ولهذا قال المصنف‏:‏ وفيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شهوة إما لمرض أو أبردة لا يوجب الغسل انتهى‏.‏

2- وعن أم سلمة أن أم سليم قالت‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه إن اللَّه لا يستحيي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت قال‏:‏ نعم إذا رأت الماء فقالت أم سلمة‏:‏ وتحتلم المرأة فقال‏:‏ تربت يداك فبما يشبهها ولدها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

للحديث ألفاظ عند الشيخين‏.‏ ورواه مسلم من حديث أنس عن أم سليم ومن حديث عائشة أن امرأة سألت وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه‏.‏ وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بسرة سألت أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏ وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏ وعن خولة بنت حكيم أخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن اللَّه لا يستحيي‏)‏ جعلت هذا القول تمهيدًا لعذرها في ذكر ما يستحيا منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله والمراد أن اللَّه لا يأمر بالحياء في الحق أو لا يمنع من ذكر الحق لأن الحياء تغير وانكسار وهو مستحيل عليه‏.‏ وقيل إنما يحتاج إلى التأويل وفي الإثبات ولا يحتاج إليه في النفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏احتلمت‏)‏ الاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه والمراد به هنا أمر خاص هو الجماع‏.‏ وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت‏:‏ ‏(‏إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأت الماء‏)‏ أي المني بعد الاستيقاظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتحتلم المرأة‏)‏ بحذف همزة الاستفهام وفي بعض نسخ البخاري بإثباتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تربت يداك‏)‏ أي افتقرت وصارت على التراب وهو من الألفاظ التي تطلق عند الزجر ولا يراد بها ظاهرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبما يشبهها ولدها‏)‏ بالباء الموحدة وإثبات ألف ما الاستفهامية المجرورة وهو لغة والحديث يدل على وجوب الغسل على المرأة بإنزالها الماء‏.‏ قال ابن بطال والنووي‏:‏ وهذا لا خلاف فيه وقد روي الخلاف في ذلك عن النخعي‏.‏ وفي الحديث رد على من قال أن ماء المرأة لا يبرز‏.‏

 باب إيجاب الغسل من التقاء الختانين ونسخ الرخصة فيه

1- عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم وأحمد ‏(‏وإن لم ينزل‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا جلس‏)‏ الضمير المستتر فيه وفي قوله‏:‏ ‏(‏ثم جهدها‏)‏ للرجل والضمير البارز في قوله‏:‏ ‏(‏شعبها وجهدها‏)‏ للمرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شعبها‏)‏ الشعب جمع شعبة وهي القطعة من الشيء قيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل رجلاها وفخذاها وقيل ساقاها وفخذاها وقيل فخذها واسكتاها وقيل فخذاها وشفراها وقيل نواحي فرجها الأربع قاله في الفتح‏.‏ قال الأزهري‏:‏ والاسكتان ناحيتا الفرج والشفران طرف الناحيتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم جهدها‏)‏ بفتح الجيم والهاء يقال جهد واجهد أي بلغ المشقة قيل معناه كدها بحركته أو بلغ جهده في العمل بها والمراد به هنا معالجة الإيلاج كنى به عنها‏.‏

والحديث يدل على أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال بل يجب بمجرد الإيلاج أو ملاقاة الختان الختان كما سيأتي وقد ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة والعترة والفقهاء وجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم وروى ابن عبد البر عن بعضهم أنه قال‏:‏ انعقد إجماع الصحابة على إيجاب الغسل من التقاء الختانين قال‏:‏ وليس عندنا كذلك ولكنا نقول أن الاختلاف في هذا ضعيف وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين أو مجاوزة الختان الختان انتهى‏.‏

وجعلوا أحاديث الباب ناسخة لحديث ‏(‏الماء من الماء‏)‏ وخالف في ذلك أبو سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن أبي وقاص ومعاذ ورافع بن خديج‏.‏ وروي أيضًا عن علي ومن غير الصحابة عمر بن عبد العزيز والظاهرية وقالوا‏:‏ لا يجب الغسل إلا إذا وقع الإنزال وتمسكوا بحديث ‏(‏الماء من الماء‏)‏ المتفق عليه ويمكن تأييد ذلك بحمل الجهد المذكور في الحديث على الإنزال ولكنه لا يتم بعد التصريح بقوله‏:‏ وإن لم ينزل في رواية مسلم وأحمد‏.‏ وأصرح من ذلك حديث عائشة الآتي بعد هذا لتصريحه بأن مجرد مس الختان للختان موجب للغسل ولكنها لا تتم دعوى النسخ التي جزم بها الأولون إلا بعد تسليم تأخر حديث أبي هريرة وعائشة وغيرهما‏.‏

وقد ذكر المصنف حديث أُبيَّ بن كعب وحديث رافع بن خديج للاستدلال بهما على النسخ وهما صريحان في ذلك وسنذكرهما وقد ذكر الحازمي في الناسخ والمنسوخ آثارًا تدل على النسخ ولو فرض عدم التأخر لم ينتهض حديث ‏(‏الماء من الماء‏)‏ لمعارضة حديث عائشة وأبي هريرة لأنه مفهوم وهما منطوقان والمنطوق أرجح من المفهوم‏.‏

قال النووي‏:‏ وقد أجمع على وجوب الغسل متى غابت الحشفة في الفرج وإنما كان الخلاف فيه لبعض الصحابة ومن بعدهم ثم انعقد الإجماع على ما ذكرنا وهكذا قال ابن العربي وصرح أنه لم يخالف في ذلك إلا داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد وجب عليه الغسل‏)‏ هو بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال وحقيقته إفاضة الماء على الأعضاء وزادت الهادوية مع الدلك ولم نجد في كتب اللغة ما يشعر بأن الدلك داخل في مسمى الغسل فالواجب ما صدق عليه اسم الغسل المأمور به لغة اللَّهم إلا أن يقال حديث ‏(‏بلوا الشعر وأنقوا البشر‏)‏ على فرض صحته مشعر بوجوب الدلك لأن الانقاء لا يحصل بمجرد الإفاضة‏.‏ ‏(‏لا يقال‏)‏ إذا لم يجب الدلك لم يبق فرق بين الغسل والمسح لأنا نقول المسح الإمرار على الشيء باليد يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ فلا يجب فيه الاستيعاب بخلاف الغسل فإنه يجب فيه الاستيعاب‏.‏

وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.‏ ولفظه‏:‏ ‏(‏إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل‏)‏‏.‏

ولها حديث آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم واغتسلنا‏)‏ وأخرجه الشافعي في الأم والنسائي وصححه ابن حبان وابن القطان وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه‏.‏

ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلًا واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال سألت القاسم بن محمد سمعت في هذا الباب شيئًا قال‏:‏ لا وابنه عبد الرحمن قال‏:‏ عن أبيه وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم ذكر أو حدث به ابنه عبد الرحمن ثم نسي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولا يخلو الجواب عن نظر‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث أصله صحيح ولكن فيه تغيير وتبع في ذلك ابن الصلاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين شعبها‏)‏ قد تقدم تفسير الشعب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الختان‏)‏ المراد به هنا موضع الختن والختن في المرأة قطع جلدة في أعلى الفرج مجاروة لمخرج البول كعرف الديك ويسمى الخفاض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاوز‏)‏ ورد بلفظ المجاوزة وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الإلزاق والمراد بالملاقاة المحاذاة‏.‏ قال القاضي أبو بكر‏:‏ إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة‏.‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به ومعنى المجاوزة ظاهر‏.‏ قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي حاكيًا عن ابن العربي‏:‏ وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة أو مقاربة وهو ظاهر وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع‏.‏

وقد أجمع العلماء كما أشار إليه علي أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما فلا بد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحًا به في حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل‏)‏ أخرجه ابن أبي شيبة والتصريح بلفظ الوجوب في هذا الحديث والذي قبله مشعر بأن ذلك على وجه الحتم ولا خلاف فيه بين القائلين بأن مجرد ملاقاة الختان الختان سبب للغسل‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهو يفيد الوجوب وإن كان هناك حائل انتهى‏.‏ وذلك لأن الملاقاة والمجاوزة لا يتوقف صدقهما على عدمه‏.‏

وعن أُبيَّ بن كعب قال‏:‏ ‏(‏إن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها‏)‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن خزيمة ورواه الزهري عن سهل بن سعد عن أُبيَّ بن كعب وفي رواية ابن ماجه عن الزهري قال‏:‏ قال سهل بن سعد‏.‏ وفي رواية أبي داود عن ابن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد أخبره أن أُبيَّ بن كعب أخبره وجزم موسى بن هارون والدارقطني بأن الزهري لم يسمعه من سهل‏.‏ وقال ابن خزيمة‏:‏ هذا الرجل الذي لم يسمه الزهري هو أبو حازم ثم ساقه من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد عن أُبيَّ قال‏:‏ إن الفتيا وساقه بلفظ الكتاب إلا أنه قال في بدء الإسلام‏.‏

وقد ساقه ابن خزيمة أيضًا عن الزهري قال أخبرني سهل قال الحافظ‏:‏ وهذا يدفع قول من جزم بأنه لم يسمعه منه لكن قال ابن خزيمة‏:‏ أهاب أن تكون هذه اللفظة غلطًا من محمد بن جعفر الراوي له عن معمر عن الزهري‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأحاديث أهل البصرة عن معمر يقع الوهم فيها لكن في كتاب ابن شاهين من طريق يعلى بن منصور عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري حدثني سهل وكذا أخرجه بقي بن مخلد في مسنده عن أبي كريب عن ابن المبارك وقال ابن حبان‏:‏ يحتمل أن يكون الزهري سمعه من رجل عن سهل ثم لقي سهلًا فحدثه أو سمعه من سهل ثم ثبته فيه أبو حازم ورواه ابن أبي شيبة من طريق شعبة عن سيف بن وهب عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عميرة بن يثربي عن أُبيَّ بن كعب نحوه‏.‏

والحديث يدل على ما قاله الجمهور من النسخ وقد سبق الكلام عليه‏.‏

4- وعن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏أن رجلًا سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل وعائشة جالسة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يكسل‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطناه بضم الياء ويجوز فتحها يقال أكسل الرجل في جماعه إذا ضعف عن الإنزال وكسل بفتح الكاف وكسر السين والأولى أفصح وهذا تصريح بما ذهب إليه الجمهور وقد سلف ذكر الخلاف فيه‏.‏

5- وعن رافع بن خديج قال‏:‏ ‏(‏ناداني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت فأخبرته فقال‏:‏ لا عليك الماء من الماء قال رافع‏:‏ ثم أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد ذلك بالغسل‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث حسنه الحازمي وفي تحسينه نظر لأن في إسناده رشدين وليس من رجال الحسن‏.‏ وفيه أيضًا مجهول لأنه قال عن بعض ولد رافع بن خديج فلينظر فالظاهر ضعف الحديث لا حسنه وهو من أدلة مذهب الجمهور‏.‏

وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعثمان والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم‏.‏

 باب من ذكر احتلامًا ولم يجد بللًا أو بالعكس

1- عن خولة بنت حكيم‏:‏ ‏(‏أنها سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال‏:‏ ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي مختصرًا‏.‏ ولفظه‏:‏ ‏(‏أنها سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن المرأة تحتلم في منامها فقال‏:‏ إذا رأت الماء فلتغتسل‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن أبي شيبة قال السيوطي في الجامع الكبير‏:‏ وهو صحيح وذكره الحافظ في الفتح ولم يتكلم عليه وهو متفق على معناه من حديث أم سلمة وقد تقدم‏.‏ وعند مسلم من حديث أنس وعائشة‏.‏ وعند أحمد من حديث ابن عمر‏.‏ والسائلة عند هؤلاء هي أم سليم وقد سألت عن ذلك خولة كما في حديث الباب‏.‏ وسهلة بنت سهل عند الطبراني‏.‏ وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة‏.‏ وقد أوَّ ل ابن عباس حديث الماء من الماء بالاحتلام أخرج ذلك عنه الطبراني وأصله في الترمذي ولفظه‏:‏ ‏(‏إنما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما الماء من الماء في الاحتلام‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده لين لأنه من رواية شريك عن أبي الحجاف‏.‏

والحديث يدل على وجوب الغسل على الرجل والمرأة إذا وقع الإنزال وهو إجماع إلا ما يحكى عن النخعي واشترطت الهادوية مع تيقن خروج المني تيقن الشهوة أو ظنها وهذا الحديث وحديث أم سلمة السابق وحديث عائشة الآتي يرد ذلك وتأييده بأن المني إنما يكون عند الشهوة في جميع الحالات أو غالبها تقييد بالعادة وهو ليس بنافع لأن محل النزاع من وجد الماء ولم يذكر شهوة فالأدلة قاضية بوجوب الغسل عليه والتقييد بتيقن الشهوة أو ظنها مع وجود الماء يقضي بعدم وجوب الغسل اللَّهم إلا أن يجعل مجرد وجود الماء محصلًا لظن الشهوة لجري العادة بعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ولكنهم لا يقولون به‏.‏

2- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا فقال‏:‏ يغتسل‏.‏ وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل فقال‏:‏ لا غسل عليه فقالت أم سليم‏:‏ المرأة ترى ذلك عليها الغسل قال‏:‏ نعم إنما النساء شقائق الرجال‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏

الحديث رجاله رجال الصحيح إلا عبد اللَّه بن عمر العمري وقد اختلف فيه فقال أحمد‏:‏ هو صالح وروي عنه أنه قال‏:‏ لا بأس به وكان ابن مهدي يحدث عنه‏.‏ وقال يحيى بن معين‏:‏ صالح وروي عنه أنه قال‏:‏ لا بأس به يكتب حديثه‏.‏ وقال يعقوب بن شيبة‏:‏ ثقة صدوق في حديثه اضطراب أخرج له مسلم مقرونًا بأخيه عبيد اللَّه‏.‏ وقال ابن المديني‏:‏ ضعيف‏.‏ وقال يحيى القطان‏:‏ ضعيف وروي أنه كان لا يحدث عنه‏.‏ وقال صالح‏:‏ جزرة مختلط الحديث‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ غلب عليه التعبد حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ فوقعت المناكير في حديثه فلما فحش خطؤه استحق الترك‏.‏

وقد تفرد به المذكور عند من ذكره المصنف من المخرجين له ولم نجده عن غيره وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه فالحديث معلول بعلتين الأولى العمري المذكور والثانية التفرد وعدم المتابعات فقصر عن درجة الحسن والصحة واللَّه أعلم‏.‏

والحديث يدل على اعتبار مجرد وجود المني سواء انضم إلى ذلك الشهوة أم لا وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني‏.‏